شاليط وغولدستون يختزلان المشهد السياسي الفلسطيني !!
عامر سعد
لا غرو أن القدر قد نسج أحداث الثاني من اكتوبر بعناية فائقة كونها شكلت بنظر الكثيرين منعطفا استراتيجيا وعلى كافة الصعد والمستويات ، فبين مشهد العزة الواضح ومشهد الخيانة الفاضح سقطت آخر غلالة كانت تخفي وراءها سلطة رام الله ما تبقى في جعبتها من ادوار خيانية تجاه شعبها وقضيتها ، في المقابل تجلت عظمة المقاومة الفلسطينية بلا رتوش عملية مصطنعة وبلا ضجة اعلامية مفتعلة ، واستطاعت هي أن تحول الكيان لمجرد غلالة مهترئة كما وصفها الكاتب الصهيوني في صحيفة يديعوت احرنوت " اليكس فيشمان " ، فالمشاهد إذن فاقعة صارخة لم تدع للضبابية وما يصاحبها من تبريرات وتحليلات مرضية ساذجة أي حيز تنفذ من خلاله .
فأمام مشهد تحرير الأسيرات من سجون العدو الصهيوني بفعل التبادلية الايجابية مع المقاومة الفلسطينية والتي تلخصه كل مفردات العزة والنصر ، وعلى وقع ردود الفعل الشعبية والرسمية والتي رأت في الخطوة ثمرة تضحيات وصمود المقاومة ومن ورائها قطاعات الشعب الفلسطيني بأسره ، تفاجىء الجميع ببروز مشهد آخر تختزله مفردات الخيانة والانهزامية والانبطاح تمثل بطلب السلطة من مجلس حقوق الانسان تأجيل مناقشة تقرير غولدستون مما أدى إلى تفويت الفرصة - والتي كان ينتظرها الاف من اقرباء الضحايا الفلسطينيين - لتجريم الكيان الصهيوني وتعريته دوليا .
مشهد الخيانة الفاضح في ضوء الفهم السياسي :
إن من نافلة القول التأكيد على بديهية فهم السلوك السياسي من خلال سياقات متواصلة من الممارسة السياسية ومحدداتها الفكرية والمصلحية واستحقاقات الأطر التحالفية أو التبعية لجهات اقليمية ودولية من قبل الجهة المسؤولة عن السلوك المحدث ، والابتعاد عن الانتقائية والحصر للسلوك السياسي والتي لا تسهم في بلورة فهم دقيق لماهية هذا السلوك ومسبباته وغائيته .
وبناء عليه فإن السلوك السلطوي الشائن لابد أن يوضع في دوائر ثلاثة :-
1-التبعية للإرادة السياسية الامريكية : حيث أن سلطة رام الله تدور في الفلك الامريكي منذ عقود وتعتبر ذراعا امريكية " رسمية " في المنطقة ، ولا يمكن بحال للسلوك والخطاب السياسي للسلطة أن يتمتع بالاستقلالية أو أن يناقض في مضمونه الرؤية الامريكية ، خاصة بعد اللقاء الثلاثي بين اوباما وعباس ونتينياهو والذي جاء تتويجاً للمساعي الامريكية الهادفة في حقيقتها لتحسين الصورة الامريكية ، وهذا يقود إلى أن الادراة الامريكية لن تقبل بحال أن تقوم السلطة بتبديد الجهد الامريكي من خلال الاقدام على خطوة تجريم الكيان ، وهذا ما أكدته صحيفة نيويورك تايمز حيث اكدت وجود طلب امريكي من السلطة لتأجيل بحث التقرير في مجلس حقوق الانسان.!
2-التقاطع مع العدو لاضعاف الخصوم السياسين : وهذا منهج متأصل في حركة فتح للأسف واعترف به صراحة جبريل الرجوب عضو اللجنة المركزية للحركة في مقالة مشهورة له " فتح امجاد الماضي والآم الحاضر و آمال المستقبل "، ولعل آخر افرازات هذا النهج - الخياني في حقيقته - الموقف المخزي والشائن حيال العدوان الصهيوني على غزة والذي جاء السلوك الاخير كمحصلة طبيعية له ، فالسلوك الاخير جاء بعد تهديد صهيوني بكشف حقيقة الضغوط التي مارستها السلطة على الكيان لاستمرار عدوانه على غزة ، وهذا ما اكده وزير الخارجية الصهيوني ليبرمان والصهيوني الحاقد دآني أعلون .
3-نهج السراب : ولعل الدافع الاخير لهذا السلوك الشائن هو حقيقة العقيدة السياسية للنظام السياسي القائم في رام الله ، والذي يتخذ من المفاوضات رغم عبثيتها ونتائجها السلبية على مجمل القضية اولوية استراتيجية له ، حيث ان السلوك الاخير كان تغليبا فاضحا للاستمرار في النهج التفاوضي - خاصة بعد اللقاء الثلاثي وجملة الوعود الامريكية - على المساعي الرامية لتجريم العدو الصهيوني واعتبار حربه على غزة ترقى لجرائم حرب .!
مشهد العزة في ضوء الفهم السياسي :
في المقابل فإن مشهد تحرير الاسيرات الفلسطينيات مقابل تقديم المقاومة لشريط فيديو يثبت أن الاسير الصهيوني شاليط ما يزال على قيد الحياة ، شكلت وفي ضوء فهم ومتابعة السلوك الصهيوني المنبثق ببديهة الحال عن ايديولوجيا فوقية استعلائية ترفض الرضوخ ودفع الأثمان لاعدائها انتصارا كبيراً لإرادة المقاوم الفلسطيني ، وشكلت رافعة معنوية للمواطن الفلسطيني بعد جملة ارتكاسات مني بها المواطن الفلسطيني على مدار العقدين الماضيين .
فالمشهد الاخير ينطوي على عدة أمور أهمها :
1-الكيان الصهيوني نمر من ورق : حيث أكد المشهد الاخير حقيقة ضعف القدرات الاستخبارية والامنية الصهيونية في معرفة مصير جنديها الاسير في غزة رغم مرور اكثر من ثلاثة اعوام من الجهود الحثيثة لمعرفة مصيره في بقعة جغرافية لا تتجاوز 360 كلم مربع و أمام عدو محدود القدرات والوسائل .
2-فاعلية المقاومة : حيث أثبتت الصفقة الاخيرة بما لا يدع مجالا للشك أن المقاومة على الارض أحدثت الدفع السياسي والدينامية التنظيمية اللازمتين لبلورة مواقف سياسية صلبة قادرة على حماية الحقوق الفلسطينية واسترداد ما سلب منها من فكي الكماشة" الصهيونية " ، وفرض نفسها بقوة كطرف يملك من الاستقلالية السياسية والكفاءة الذاتية ما يمكنه من مجاراة الطرف الصهيوني وجهات اقليمية معروفة .
3-المفاوض المقاوم خيار استراتيجي : أثبت المشهد الاخير أن المستوى السياسي للمقاومة الفلسطينية هو الاقدر والكفيل باعادة الحقوق المسلوبة على مبدأ اعتبار المفاوضات طريقة من طرائق الحرب ، حيث قدم المفاوض المقاوم من الصمود أما الضغوطات الاقليمية والدولية ، والقتال العنيف امام صلف وتعنت الجانب الصهيوني ، والثبات الاسطوري على سقف المطالب المرتفع رغم الحوافز الشكلية والرتوش العملية ، ما عجز عنه المفاوض الفلسطيني " السلمي " والذي وصفه "كبير المفاوضين الفلسطينيين " صائب عريقات بأنه يتصف بلعنة المفاوضات بكل ما تحمل الكلمة من معنى .
خلاصة:
يتضح مما سبق أن المشهد السياسي الفلسطيني قد اكتملت أهم فصوله واتضحت بشكل جلي ادوار لاعبيه بحيث لم تعد تخطىء عين المتابعين لهذا المشهد أو تختلط عليهم الادوار الخيانية من الادوار البطولية الوطنية ، فهنا لا ضبابية ولا أقنعة تجميلية تخفي حقيقة بعض اللاعبين فكل شيء بات فاقعاً صارخا ناطقا
" يخبرنا بحقيقة من يصر على تغليب مصالحه الضيقة على مصالح الشعب العليا ومن يقدم حقوقنا على مذبح الرضا الامريكي والصهيوني في مقابل من يقدم دماءه ومصالحه الذاتية لخدمة شعبه وحقوقه العادلة " .
___________________________________
من أجل هنا نقتل ... هنا تتعانق الرجال والبنادق في عناق أزلي حتى تحرير الأرض
محمد الراشد : الرأي قدحة ، يبعث شررها احتكاك العقول والحوار