«لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».. إذا زرت مصر أو الجزائر هذه الأيام ستسمع هذه الجملة بكثرة، والمعركة المقصودة هي مباراة في كرة القدم بين منتخبي البلدين ستقام يوم السبت المقبل باستاد القاهرة، تحدد نتيجتها الفريق المتأهل لكأس العالم لكرة القدم التي ستقام في جنوب إفريقيا العام المقبل.
والأمر الذي جعل هذه المباراة مصيرية هو أن كلا الفريقين يطمح إلى الوصول إلى كأس العالم، ويكفي منتخب الجزائر الفوز بأي نتيجة أو التعادل بأي نتيجة أو حتى الهزيمة بهدف، فيما يحتاج منتخب مصر إلى الفوز بثلاثة أهداف للتأهل، بينما يُدخِل فوز مصر بهدفين الفريقين في مباراة فاصلة تقام يوم 18 نوفمبر (تشرين الثاني) بملعب محايد، بالإضافة إلى أن منتخب مصر لم يتأهل لكأس العالم منذ عام 1990، بينما كانت آخر مرة ظهرت الجزائر في العُرس الكروي العالمي عام 1986.
وبعيدا عن استعدادات منتخبَي البلدين لخوض المباراة، تجرى استعدادات أخرى، بين مشجعي الفريقين والإعلاميين في البلدين، من تراشق بالوعيد بالهزيمة، إلى صور مسيئة تم تركيبها لنجوم الفريقين، إلى أغانٍ صُنعت خصيصا من أجل المباراة، وربما أدى هذا الشحن كله إلى زيادة التوتر في الأجواء بين البلدين، الأمر الذي دفع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة للاتصال بنظيره المصري حسني مبارك الأسبوع الماضي لبحث هذا التوتر، وهو نفس السبب الذي دار حوله اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي والمصري أحمد أبو الغيط، لينتقل الأمر من ساحات الرياضة إلى ساحات السياسة بعدما تردد أن السفارة المصرية بالجزائر قللت من تأشيرات الدخول للجزائريين لمنعهم من حضور المباراة، وهو ما نفته الخارجية المصرية وسفارتها في الجزائر بشدة، مؤكدين أنه تم منح 3 آلاف تأشيرة للمشجعين الجزائريين لحضور المباراة، فيما أعلن سمير زاهر رئيس اتحاد الكرة المصري توفير ألفي تذكرة للمشجعين الجزائريين بعد أن كان مخصصا لهم ألف تذكرة فقط.
ورغم دعوة البعض لعدة مبادرات لتلطيف الأجواء قبل المباراة، مثل مبادرة صحيفة «المصري اليوم» الخاصة بتوزيع وردة على كل لاعب جزائري قبل المباراة، أو زيارة أحمد شوبير حارس مرمي منتخب مصر الأسبق ووكيل لجنة الشباب والرياضة بمجلس الشعب للجزائر وتكريمه من قبل الاتحاد الجزائري لكرة القدم، إلا أن الاحتقان يتزايد في الشارع المصري مع اقتراب المباراة.
ولعل هذا الاحتقان هو الذي دفع منتخب الجزائر لتغيير محل إقامته بالقاهرة من فندق بوسط القاهرة إلى آخر قرب المطار على أطراف العاصمة المصرية، ليكون بعيدا عن الضغط الجماهيري المتوقع.
«أرى أن التوتر والتحريض زاد عن حده في ما يخص تلك المباراة والسبب الرئيسي في ذلك هو وسائل الإعلام»، هكذا بدأ الدكتور علاء صادق الناقد الرياضي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، مضيفا: «وسائل الإعلام صورت المباراة كأنها معركة حربية لا مجال فيها سوى للنصر، على الرغم من أنها في النهاية مباراة رياضية ولا بد فيها من وجود فائز ومهزوم».
وأضاف: «الجماهير تستجيب لدعوات التحريض باعتبارها الأسهل، لأن الهدم دائما أسهل من البناء، ولكني أتوقع أن تخرج المباراة هادئة داخل الملعب وخارجه، لأن الشرطة ستكون قاسية عند أي محاولة للخروج عن الروح الرياضية». وهو نفس ما أكده متحدث أمني مصري لـ«الشرق الأوسط» إذ قال: «هذه المباراة سيكون لها استعدادات أمنية خاصة لتوفير الحماية للاعبي الفريق وجماهير البلدين، قبل وفي أثناء وبعد المباراة، مؤكدا أن أي محاولة لإثارة الشغب ستقابل «تطبيق حاسم للقانون».
«جيلي لم يشاهد مصر تلعب في كأس العالم عام 1990، لذلك فتلك هي الفرصة الوحيدة لنا لنشهد هذا الحدث التاريخي، وهو ما سيجعلنا نشجع فريقنا إلى آخر مدى ومهما كلفنا الأمر»، هكذا عبر إبراهيم جابر (20 عاما، طالب جامعي من محافظة الإسكندرية، 220 كيلومترا شمال غرب القاهرة) عن رأيه في مباراة يوم السبت المقبل، وقال: «حرصت أنا وعدد من زملائي على شراء تذاكر المباراة، وسنسافر إلى القاهرة لحضور المباراة».
وأضاف: «لن نخرج عن النص في التشجيع ولكن لو أن ملعب استاد القاهرة امتلأ عن آخره بالمشجعين (السعة الرسمية للاستاد نحو 80 ألف مشجع) أعتقد أن هذا سيكون له تأثير السحر في نفوس لاعبينا، بينما سيهز ثقة منافسينا».
أما مصطفى عبده (محاسب بأحد البنوك الأجنبية) فيقول: «أواجه مشكلة عائلية بسبب المباراة لأن أولادي يريدون الذهاب إلى الاستاد لمشاهدة المباراة لكني أخشى عليهم من الزحام ومن أحداث شغب محتملة في حالة الفوز أو الخسارة».
ويضيف: «الاهتمام بالمباراة امتد لكل الطبقات، فعندما دخلت إلى إحدى محطات البنزين لأموّن سيارتي، بادرني عامل المحطة بالسؤال: ما تعرفش يا أستاذ تذاكر المباراة هاتنزل في السوق إمتى وهاتبقى بكام؟».
الجديد في الأمر أن الاحتقان بين مشجعي المنتخبين انتقل من أرض الواقع إلى العالم الافتراضي، فالشبكة العنكبوتية (الإنترنت) مليئة بالتراشق من الجانبين بالصور المسيئة والأغاني والأهازيج التي تهاجم كل طرف. ووصل التراشق الإلكتروني إلى القرصنة المتبادلة على المواقع، إذ تَعرّض موقع صحيفة «الشروق» الجزائرية لهجوم من قراصنة مصريين استهدف غرف الدردشة بالموقع، وقال القراصنة إن هذا الهجوم هو نموذج لما يمكن أن يحدث لمن يتحدى المصريين، ورد القراصنة الجزائريون بتعطيل موقع الرئاسة المصرية وموقع صحيفة «الأهرام» المصرية لبعض الوقت.
ويرى محمود راغب (25 عاما، مهندس إلكترونيات) أنه من السهل الآن من انتشار التكنولوجيا، لمن يريد أن يركّب الصور التي يريدها أو يركّب حتى مقاطع صوتية لتشكل أغنية، وهو ما ساعد هذه المرة على انتشار كمية من الصور والأغاني المتبادلة بين الطرفين. وقام ناشطون إلكترونيون مصريون بتركيب صور للاعبي المنتخب المصري على شكل أبطال خرافيين (سوبر مان أو الرجل الخارق)، أو على صور أفيشات عدة أفلام أجنبية.
باعة الأعلام انتشروا وجهزوا أنفسهم منذ الأسبوع الماضي، بتجهيز كميات كبيرة من أعلام مصر، وبدأوا في بيعها في إشارات المرور والشوارع الرئيسية في القاهرة، قبل المباراة بأسبوع. ويقول عبد الله السيد (بائع أعلام وقف يعرض بضاعته في أحد الشوارع الرئيسية لضاحية المهندسين الراقية غرب القاهرة): «مش بدري ولا حاجة، لازم كلنا نستعد علشان الماتش (المباراة)». ويضيف السيد: «هذه المباراة تُعتبر موسما خاصا لنا، ورغم أن المباراة بعد أسبوع فأنا أبيع نحو 100 علم في اليوم، مختلفة الأحجام، وبالطبع سيزيد العدد مع اقتراب المباراة».
ويعاني السيد من ملاحقة رجال الشرطة له واتهامه بالتسول، ويقول: «ملاحقة رجال الشرطة هي المشكلة الوحيدة التي تواجهني في عملي، وأرجو أن يتركونا يوم المباراة تماما، لأنها مهمة قومية».